الثلاثاء، 24 ديسمبر 2024

رحلة الذات الحكيمة: استراحة العقل والروح في زمن المتغيرات (د. غالب العساف)

 

رحلة الذات الحكيمة: استراحة العقل والروح في زمن المتغيرات





كل أربعة شهور، تحدث دورة قلبية فريدة، أشبه بمواسم النفس الداخلية. هذه الدورة ليست مجرد رقم عشوائي أو وقت مستقطع من رتابة الحياة، بل هي توقيت طبيعي وفطري يعكس إيقاعًا داخليًا عميقًا؛ دورة يحدث فيها القلب نفسه، يعيد ترتيب مشاعره، ويخطط لتطلعاته، ويصوغ صورة ذهنية متجددة لنفسه.

القلب، ذلك العضو الذي ليس مجرد مضخة دماء بل أيضًا مركز الشعور، الحكمة، والرؤية العميقة، يمر في كل أربعة شهور بمرحلة إعادة بناء داخلي. في هذه الفترة، يعيد تفسير الأحلام، ينفض غبار التجارب الماضية، ويضع حجر الأساس لصورة ذهنية تظهر واضحة أمام النفس والذات وأمام الآخرين.

كما أن الفصول تتغير كل ثلاثة أشهر، فإن القلب يحتاج إلى فترة إضافية ليهضم التغيرات، ليعيش بين طياتها ويستخلص منها دروسه. كل أربعة شهور، تتولد صورة جديدة تعكس ما مر به من تطلعات أو أحزان أو انتصارات صغيرة، صورة تعكس تطورًا داخليًا وإن لم يكن ظاهرًا بالعين المجردة.

هذه الدورة تشبه حوارًا داخليًا عميقًا يجريه القلب مع ذاته، حيث يسأل: "من أنا؟ وما الذي أريده؟" ثم يعيد صياغة الإجابة عبر مشاعر ناضجة، طموحات جديدة، ورؤية أوسع للحياة. وما يميز هذه الدورة أنها تتجلى ليس فقط داخليًا بل تنعكس على الآخرين من حولنا. فجأة، يبدأون برؤية ملامح مختلفة فيك، طاقة جديدة، أو ربما وضوحًا في شخصيتك لم يكن حاضرًا من قبل.

لذلك، اختيارك لهذه الدورة كزمن للعودة إلى ذاتك ليس مصادفة، بل هو انسجام مع إيقاع الكون ومع حكمة الجسد والنفس. كل أربعة شهور، اعطِ نفسك الفرصة لأن تنسجم مع هذه الدورة، لأن تستمع إلى قلبك، وتعيد تشكيل صورتك أمام نفسك أولًا وأمام العالم. إنها ليست فقط رحلة قلبية، بل أيضًا رحلة لإعادة بناء الروح، ومصالحة الذات مع تطلعاتها


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق