الاثنين، 29 أغسطس 2022

القيادة الإستراتيجية أم القيادة الطبيعية البيولوجية ؟......د. غالب العساف


القيادة الطبيعية والقيادة الإستراتيجية

د. غالب العساف 

للوهلة الأولى كلمة الإستراتيجية لأنها مرتبطة بالمفهوم العسكري تجد لها مؤيدين كثر.. مما أدى الى انجرار معظم الطامحين الى استلام مناصب عليا أن يتعرفوا أكثر على المعارف والمهارات الإستراتيجية اللازمة كي يحققوا أهدافهم وغاياتهم.
 في معارك غيرت وجه التاريخ لم تكن الإستراتيجية هي العنصر الأهم بل كانت القيادة الطبيعية البيولوجية المتفاعلة مع الأحداث المحيطة و البيئة مثل معركة دونكيرك .

في هذه المعركة انهزمت الإستراتيجية الألمانية الطاغية أمام قيادة طبيعية بسيطة قائمة على مفاهيم أخلاقية إيمانية عالية، والثقة بأن الخطوات البسيطة الراسخة قد تهزم مع الوقت كل طغيان الشر واللؤم و الطمع والغدر.

استراتيجية الإستهانة بالعدو ومن ثم إختيار أرخص السبل للقضاء عليه. و عدم إحترام ردود الأفعال القادمة و التأكد شبه اليقيني أن النصر قادم وأنها مسألة وقت.. بل إختيار الأسلحة الأرخص كلفة و الأسرع و الأقل جهداً .. بدل من استثمار زخم القوة الذي قاد الى محاصرة أكثر من 400 الف جندي بريطاني و فرنسي .. ومن ثم ظهر طمع أحد القادة الألمان ليتمكن من تجيير النصر لصالحه و الظهور بمظهر القائد المنتصر مع تقليل جهود القائد الحقيقي الذي تخلى عنوة عن قيمة ما حققه أمام شخصية انتهازية تستخدم استراتيجيات ترويج و تلميع و قرب من صانع القرار .. قام قائد سلاح الجو بالتدخل أمام هتلر و اقترح عليه ان يتم القضاء على جنود العدو المحاصرين بالطائرات الحربية . وأن لا يدع فرصة لقائد القوات البرية ان يفوز بالمعركة وحده .. والغريب أن هتلر كما تزعم أخبار التاريخ قال لهم توقفوا عن الزحف البري لنرى كيف ممكن أن تقوم القوات الجوية بالمهمة بأقل التكاليف .. كان قرار هتلر محير وغير مفهوم لرجل امتهن الحرب و الخطط العسكرية لكنه تاثر بصديقه قائد القوات الجوية لوفتفافة الذي أراد ان يكون له دور اعلامي في النصر. كما يقول الأخوة المصريين ((الذي تفوز به العب به )).. أما في اللحظات الأخيرة مقابل دور إعلامي غير متوقع يتوقف الزخم الهائل لإستبداله بحلول أرخص. ثقافة التوفير و القلة و الحرص في الحروب لن تقدم لك الإنتصارات .. يجب أن ترخص الأرواح و الأموال و الجهود أمام ثقافة النصر . وعلى القائد أن يكون طبيعياً في استثمار أي الأدوات و المعدات وحتى الأشخاص الذين يوفرون له النصر و الفوز . ولا يتفلسف كي يظهر بصورة مختلفة عبقرية .. وقت التنافس والحرب لا مجال  للإستعراض  انه وقت الفوز والحفاظ عليه.

تشرشل اظهر عزيمة و إيمان بأنه قادر مع بعض قادته على وضع خطة انسحاب سريعة و استثمار التلكؤ الألماني في اتخاذ القرار الحاسم .. ما بين قيادة طبيعية ذات بصيرة و بين قيادة استراتيجية تبحث عن بعض التلميع و التوفير ..تم الأمر في معجزة عسكرية هائلة انقاذ 338 الف جندي محاصر ..ليكون هؤلاء جوهر جيش في المستقبل لدحر ألمانيا و غطرستها .

بسبب رعونة احد الطامعين بالشهرة خسرت ألمانيا الحرب .. هؤلاء الباحثون عن بعض القصص و نسبها لأنفسهم و والديهم أثناء الحروب والبطولات الوهمية لا يمكن باي حال أن تأمنهم على منصب رفيع عالي في الدولة . هؤلاء الأشخاص هم سبب انكسار الجيوش و سبب انهيار الدول ..على صاحب الأمر أن يكون قائداً طبيعيا بيولوجيا في انتقاء و إختيار المقربون له كي يقدموا له الإستشارات الصادقة المخلصة ..

في الحرب والسلم على القائد أن يكتسب قيادة طبيعية بيولوجية و يملك حدس في القرارات و توزيع المناصب .  الباحثون عن المكاسب والشهرة و الألقاب لا يمكن أن يخدموا الأمة او الدولة.  هؤلاء مؤقتون فطريات مؤذية سرعان ما ترى آثار وجودهم السلبية على الأرض.

في التاريخ ما بين الانسحاب الكبير في معركة مؤتة   الخالدة  والانسحاب الأكبر في حصار دونكيرك ، كانت القيادة الطبيعية هي الحاضرة ، لم يكن للإستراتيجية العسكرية أي اثر في النجاة من مصير كان يبدو محتوماً ..

كان خالد ابن الوليد قائداً طبيعيا جينيا بيولوجياً، يرى ببصيرته الطرق الأنسب للفوز والإنتصار كل ذلك بعد ايمانه و توكله على الله المعطي العظيم القهار..  في معركة مؤتة كان عدد المسلمين ثلاثة الأف محارب أمام جيش الروم مع بعض القبائل العربية المؤيدة لإمبراطورية الروم مائتان الف مقاتل .. الفرق مابين المحارب و المقاتل أن المحارب يحارب عن عقيدة و إيمان و مبدأ  مخلص فيه الخير مقابل المقاتل الذي يقاتل للبحث عن الفوز لأجل المكافأة .. عادة و طبيعياً ان  المحاربون هم من يكسبون حتى لو كان عدد المقاتلين أكثر عدة و تجهيز ..

تم الإنتباه الى أهمية العقيدة في التجارة التنافسية ، فكانت الشركات تضع رؤية فيه خير و فائدة للعملاء بعيدة عن مفاهيم التحكم و السيطرة و تحطيم المنافسين ..فقد استفادت شركة أبل من تغيير رؤيتها العامة في منافستها بداية مع شلركة IBM  ومن ثم منافستها مع شركة ميكروسوفت ..فبعدما بدأت المنافسة كانت تسعى لتحطيم المنافسين ودائما ما كانت تخسر في الأسواق التنافسية عندما كانت تعتمد رؤية سلبية شريرة ..و عندما غيرت رؤيتها مع اعتماد بعض الإيجابية في الرؤية و تعميم مفاهيم الخير والسعادة و توفير ما يسر القلوب تغيرت اقدارها من نتائج مخيبة الى نتائج مبهرة غامرة ..

القيادة الطبيعية تتلائم مع المبادئ العظيمة والإعتقادات الراسخة التي تدعم الخير في نفس الإنسان .. أما القيادة الإستراتيجية فكأنها تعتمد على الغاية تبرر الوسيلة والغاية في معظم القيادات الإستراتيجية هي الفوز والإنتصار بغض النظر عن الثمن المدفوع ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق